جماهير بلا سياسيين.. و سياسيون بلا جماهير
كنت أتابع فى القترة الماضية علي صفحات الجرائد تلك الموجة غير المسبوقة من الإضرابات العمالية احتجاجاً علي عدم صرف مستحقات العمال واعتراضاً علي برنامج الخصخصة الذي يهدر حقوق العمال لصالح أصحاب الشركات الجدد ورجال الأعمال الذين تمثلهم حكومة دكتور نظيف...فعلي مدار الأيام الماضية أضرب الآلاف من هؤلاء العمال بينما لا أري أثرا يذكر لأي قوي سياسية فيما يحدث. أحزاب غائبة تماما وعلي رأسها بالطبع الحزب الحاكم الذي لن يؤيد ما يحدث لأنه علي عكس مصلحته... حتى الاخوان المسلمون لا وجود لهم فيما يحدث فالعلاقة مع الحكومة لا تستدعي أزمات جديدة أو ربما لا مصلحة لهم في هذه المنطقة. وغني عن أي ذكر أن أحزاب المعارضة الموجودة كأسماء تتصدر بضعة جرائد ليس إلا لن يكون لها وجود سواء في تحريك أو احتواء العمال...كل هذه القوي السياسية تتفرج علي ما يحدث مثل باقي المواطنين إذ يقلبون قنوات التليفزيون فتقع أعينهم مصادفة علي تغطية مرئية لأحد الاعتصامات، ولوجه إحدي العاملات و قد فقدت الوعي إثر الإضراب عن الطعام. تأتي لهم شاشة التليفزيون بجماهير الشعب الغاضبة و المتأذية من سوء أحوال المعيشة. و لا سياسي واحدا وراءهم أو معهم...استحضرت لي التطورات الجارية كل المرات التي تظاهرت فيها قوي سياسية علي مدي الأعوام الثلاثة الماضية لأي من الأسباب. لا أكاد أتذكر مظاهرة لأحد أحزاب المعارضة خرجت باسم الحزب ترفع مطالب محددة. و حتي "كفاية" (التي كانت بلا شك وراء تحريك الشارع و كسر حال الركود و حاجز الخوف) كان من حقها أن تزهو بمئات من المتظاهرين. مرة نقف بالشموع أمام ضريح سعد زغلول نشهده علي ما حدث للصحفيات المصريات من تحرش فاضح ومرة يكنس شباب الحركة ضريح السيدة زينب علي كل قوي ومفتر و مرات يتظاهر الأدباء و الفنانون بعد احتراق أكثر من خمسين منهم في مسرح قصر ثقافة بني سويف...تمر مظاهرةويحدث الضرب و التنكيل وتمزيق الملابس .. تمر مظاهرة بشكل عادي تماما و أخري يشحن فيها المقبوض عليهم في بوكسات الأمن المركزي كئيبة الزرقة، ويتمرمط الباقون في محاولة تخليص من قبض عليهم. في كل المرات - سواء كبر عدد المتظاهرين فوصل إلي الألف الواحدة أو تقلص إلي ما لا يزيد علي الثلاثين شخصا - تتلفت حولك فلا تري إلا نفس الوجوه المألوفة. صحفيون وكتاب وناشطون وحولهم صحفيون وتليفزيونيون يكاد أن يصل عددهم إلي عدد المتظاهرين. وكان الأفراد من المواطنين (فئة الجماهير) يمرون علي المظاهرة وعلي وجههم علامات التسلي بسبب المشهد الفريد. هؤلاء إذن هم السياسيون المعارضون الذين يحتلون خشبة مسرح بلا جماهير..أين يكمن الخطأ فيما يحدث؟ من المسؤول عن تلك الفجوة الهائلة بين الشعب والمعنيين بالسياسة؟ وعلي أي طرف منهم يقع عاتق مسؤولية القرب من الآخر؟