هل بدأ سيناريو تقسيم العراق؟

كتب: محمد عبدالوهاب

وسط اهتمامات العالم بتداعيات الحصار الإسرائيلي للبنان‏,‏ وجولة السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان بالمنطقة‏,‏ والملف النووي الايراني وأزمة دارفور وهل يقبل السودان قوات دولية أم لا؟ وسط هذا كله لم يتوقف الكثيرون امام قرار مسعود برزاني بإنزال العلم العراقي عن جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية في اقليم كردستان بمحافظاته الثلاث‏(‏ أربيل ـ كركوك ـ السليمانية‏)‏ ورفع العلم الكردي ولم ينتبه كثيرون إلي ان هذه الخطوة قد تكون الخطوة الأولي في سيناريو تقسيم العراق‏,‏ وانها بمثابة فرض أمر واقع علي الارض قبل المهلة التي حددها دستور‏(‏ أكتوبر‏2005)‏ وتنتهي في‏16‏ سبتمبر الحالي للتقدم إلي البرلمان بطلبات انشاء أقاليم ذات حكم ذاتي تمهيدا لاعلان فيدرالية عراقية‏.‏

وعلي الرغم من تمتع الأكراد بالحكم الذاتي في الاقليم الشمالي بمحافظاته الثلاث منذ عام‏1991,‏ وتأكيد الدستور الهوية الكردية واعتبار اللغة الكردية لغة رسمية بجانب العربية‏,‏ فان الخطوة الأخيرة بانزال العلم ـ كما يري كثير من المراقبين والمتابعين للمسألة الكردية ـ هي بمثابة خطوة علي الأرض لانشاء دولة كردية ـ وهو أمر تعارضه كل القوي الاقليمية وتهدد بأن هذه القوي قد تدخل في صراعات حقيقية ولايضاح هذا لابد من التوقف أمام المسألة الكردية هذا اللغم الملتهب وشديد الحساسية والقابل للانفجار في شرق المتوسط‏.‏

يتوزع الأكراد علي عدة دول متجاورة فهم في الجنوب التركي والشمال العراقي والشمال السوري والغرب الايراني وفي أذربيجان وحتي تخوم هضبة أرمينيا‏,‏ هذا التوزيع هو الذي يدخل أطرافا اقليمية عديدة في المسألة الكردية‏,‏ وهذه الدول كلها ترفض وتعارض وتقاوم قيام دولة كردية شمال العراق‏,‏ لانها ستكون نموذجا وسندا للأكراد في بقية الدول الذين يحفل تراثهم ووجدانهم وتاريخهم بالنزوح الدائم للاستقلال وانشاء دولة خاصة بهم‏,‏ علي الرغم من أن تاريخ المنطقة كلها لم يشهد دولة لكردستان‏,‏ شهد بعض الامارات الكردية‏,‏ ابان عصر الامبراطوريات العثمانية والشاهنشية واللتين استخدمتا هذه الامارات وغذتا الصراعات وحركات التمرد لاقلاق البعض‏,‏

واستمر استخدام الأكراد تي العصر الحديث واستثمر شاه ايران السابق الأكراد في اقلاق نظام صدام حسين‏,‏ حتي اضطر صدام إلي توقيع اتفاقية الجزائر الخاصة بشط العرب وتنازل فيها عن حقوق كثيرة مقابل وقف الدعم الايراني للأكراد‏,‏ لينفرد بهم في المذابح الشهيرة التي تمت ضدهم‏,‏ وفور سقوط نظام الشاه بادر صدام إلي الغاء اتفاقية الجزائر لتبدأ الحرب العراقية الايرانية‏,‏ هذا الاستخدام من الآخر واستقواء الأكراد بالخارج دافعه حلمهم التاريخي بتأسيس دولة‏,‏ وفي الأدبيات الكردية ملحمة شهيرة لشاعر الأكراد الكبير أحمدي خاني‏(1591‏ ـ‏1653)‏ اسمها ميم زين مازالت هذه الملحمة هي أنشودات الأمهات لاطفالهن‏..‏ وأبيات منها هي النشيد القومي للبشمركة‏(‏ الفصيل المسلح للأكراد‏)‏ وأشهر ما فيها بيت مازال يتداول يقول البيت لو وجدنا لصار التركي والفارسي والعربي خادمين لنا فكلهم محاطون بنا كالسوار‏.‏

وفي حرب عام‏1991‏ هرع الأكراد إلي العواصم الغربية المشاركة بقواتها في تحالف تحرير الكويت وطلبوا الحماية والحكم الذاتي وظهرت قصة خط عرض‏36‏ الذي لايتجاوزه الطيران العراقي لنظام صدام والمنطقة الآمنة في الشمال لحماية الأكراد ولكن في الوقت نفسه انتزع الأتراك من دول التحالف حق التتبع للعناصر الكردية في شمال العراق وهو ما عرف بالتتبع الآمن‏,‏ وصدق الأكراد انهم سيعلنون دولتهم وعقدوا مؤتمرا شهيرا في لندن أعلنوا فيه عن عملة جديدة لهم وأنهم سيبدأون في التفاوض مع شركات نفط عالمية لاستغلال حقول كركوك وفق شروط غير مجحفة‏,‏ ولكن الغرب تخلي عنهم وتركهم ولم يسمح لهم بانشاء دولة استجابة لضغوط تركية وحسابات الصراع الاقليمي الذي سيندلع في هذه الحالة‏,‏ ولكن بدأت بعض الجمعيات الأهلية في أوروبا تدعم حقوق الأكراد وأشهرها كانت جمعية تترأسها زوجة الرئيس الفرنسي ميتران‏.‏

بعد ثلاثة أيام فقط من قرار مسعود برزاني تقدمت كتلة الائتلاف الشيعي الموحد إلي البرلمان بمشروع تقسيم العراق إلي أقاليم فيدرالية وكشف المشروع الشيعي عن أقليم في الجنوب يضم المحافظات ذات الغالبية الشيعية‏,‏ ونفي الائتلاف الشيعي ان مشروعه رد علي القرار الكردستاني ولكنه في اطار تقديم تصورات الأقاليم المزمع اعلانها في مشروع الفيدرالية‏,‏ وليست مصادفة ان الشمال والجنوب هما أغني مناطق العراق بالنفط وتتركز فيهما حقوق النفط ومدينة كركوك التي يتصارع الأكراد مع التركمان لبسط وتأكيد السيطرة الكردية عليها هي عاصمة النفط العراقي وفي الجنوب فإن حقل الجنون يمتلك أضخم احتياطي لحقل بترول في العالم‏.‏

بهذا التقسيم الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب وفي الوسط السنة في المنطقة الزراعية علي ضفاف النهرين وحولهما الصحراء يتوافق هذا مع المشروع الأمريكي‏,‏ فالمحافظون الجدد يقولون وبوضوح انه لابد من تصحيح الخلل التاريخي الذي ارتكبه البريطانيون بانشاء عراق موحد‏,‏ والحل لكل المشكلات الأمنية هو تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب في اطار فيدرالي للدولة العراقية وشعار تقسيم العراق من اجل انقاذه‏.‏

هذا المشروع الأمريكي يتوافق مع تصور الادارة الأمريكية لشرق المتوسط والرغبة الاسرائيلية في تفتيت الدول القوية المركزية في محيطها‏,‏ ولكن هل تقبل تركيا وايران وجمهوريات آسيا‏(‏ الروسية سابقا‏)‏ ظهور دولة كردية؟ تركيا تخوض حربا تستخدم فيها الطائرات ضد الأكراد وفي مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني‏,‏ وكادت في عام‏1998‏ تدخل في حرب مع سوريا لايوائها زعيم حزب العمال عبدالله أوجلان المشهد كله شديد الالتهاب والاحتقان‏,‏ والتقسيم الحكومي في العراق بعد الاحتلال‏..‏ رئيس كردي ورئيس وزراء شيعي‏..‏ جعل ردود الفعل الرسمية داخل العراق متعارضة بينما أدان نوري المالكي‏,‏ قلل طالباني الزعيم الكردي ورئيس الدولة من خطوة انزال العلم العراقي‏,‏ هذا الاحتقان يوضح تماما العبارة التي لم يتوقف عندها الكثيرون وقالها الرئيس الأمريكي أن عناصر الحرب الأهلية اكتملت في العراق‏.‏